هجوم نيوزلندا: حينما يتعاطى الإعلام الغربي مع المجزرة باستخفاف !

هجوم نيوزلندا: حينما يتعاطى الإعلام الغربي مع المجزرة باستخفاف !

شهدت دولة نيوزلندا، التي تعتبر من أكثر الدول أمنا بالعالم، يوم الجمعة الفارط 15 مارس 2019، هجوما إرهابيا مروّعا على مسجدين، راح ضحيتّه أكثر من 40 شخصا بريئا بينهم أطفال ونساء، وعائلة سورية لاجئة فرّت من جحيم الحرب في بلادها لتموت بيد الإرهاب.


هذه المجزرة، غير المسبوقة بنيوزلندا، لم تعرف تغطية إعلامية يحجم هذا الحدث الفظيع، خاصة بوسائل الإعلام الغربية التي، على ما يبدو، أصبحت تختار الألفاظ المناسبة للهجومات الإرهابية، بحسب الجاني والضحية.

فإذا كان الجاني مسلما، فهو إرهابي مسلم ارتكب جريمة بشعة في حقّ مواطنين أبرياء أم إذا كان المجرم رجلا غربيا غير مسلم، فإن التعاطي الإعلامي ''يعدّل'' في المصطلحات المستَعلمة لوصف العملية والحديث عنها.

لو تم ارتكاب الهجوم بدولة أوروبية لتتالت النشرات الإخبارية وتعددت الحوارات الصحفية والربوتاجات الحصرية للحادث وتم كشف جميع تفاصيل الهجوم، أما والعملية ضدّ مسلمين فإنّ التغطية تمر عادية دون أي تغيير، نفس الأمر حدث حينما ضرب الإرهاب عشرات الكينيين المسالمين بإحدى المساحات التجارية، فقد مرّ الخبر مرور الكرام بوسائل إعلام غربية عدّة.

وفي هذا الإطار كانت قناة ''دوتشه فيله - DW'' الألمانية الاستثناء، فقد خصّصت حيّزا كبيرا من الزمن بقناتها وموقعها الالكتروني للتطرق لهذه المجزرة.

وقد نشرت تقارير عدّة عن هذا الحادث الأليم، بجميع تفاصيله.

آخر هذه المقالات نشره رئيس التحرير بالقناة جعفر عبد الكريم، والذي حمل عنوان: جعفر، شو في؟ وكأن الإرهاب ضد المسلمين لا يعنينا!

موقع قناة نسمة ينشر لكم هذا المقال كاملا:

جعفر، شو في؟ وكأن الإرهاب ضد المسلمين لا يعنينا!

يبدو الوضع هادئاً بشكل مثير للدهشة بين الساسة ووسائل الإعلام في ألمانيا بعد الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا. هل ضحايا هذا الحادث غير مهمين بالنسبة لنا وكأن الإرهاب ضد المسلمين لا يعنينا؟ يتساءل جعفر عبد الكريم.

مساء الأحد كنت في برلين ووقفت أمام سفارة نيوزيلندا لإعداد تقرير عن جموع المتعاطفين المتجمهرين أمام السفارة كما هي الحال عادة إثر مثل هذه الحوادث الإرهابية. لم يكن هناك سوى شخصين آخرين إلى جانبي وهو ما أصابني بالصدمة، وجعلني أفكر منذ ذلك الحين في الأمر كثيراً. هناك شيء ما بداخلي يبحث عن إجابات للأسئلة التالية: لماذا تضامن الناس في ألمانيا مع ضحايا كرايس تشيرش قليل بهذا الشكل؟ لماذا لا يوجد حملات تضامن كبيرة؟ هل يعقل أن يكون وزير الداخلية هورست زيهوفر محقا حين قال إن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا؟ لم أجد حتى الآن تفسيرا آخر لقلة التضامن.

المسلمون في الدول العربية وكذلك في ألمانيا يتساءلون أيضاً: كيف سيكون الحال لو كان الضحايا من غير المسلمين والجاني المشتبه به هو المسلم، هل كانت وسائل الإعلام لتناقش الأمر بطريقة مختلفة؟ لماذا يتجنب البعض تسمية الجاني المشتبه به بالإرهابي؟ يبدو وكانه يجب أن يكون للإرهابيينً دائما دين معين. ولكن الوضع مع هذا الهجوم الإرهابي اختلف كلياً. المسلمون أنفسهم هم الضحايا وليسوا الجناة المشتبه بهم. لماذا لا يجتمع ساسة العالم في الشوارع، كما فعلوا بعد الهجمات في باريس للاحتجاج على هذه الجريمة؟

هذه الأسئلة أرسلها لي مشاهدون و نشطاء مسلمون، عندما كنت في صدد التحضير لحلقة شباب توك حول الهجوم. وسألت نفسي: هل يصبح تفكيرنا في ألمانيا كما هو الحال في العالم العربي؟ فلا يحدث تضامن وضجة كبيرة إلا إذا كان الضحايا مسلمين. عندما يكون الإرهابي مسلماً، يصبح الإسلام في دائرة الاتهام. أما الآن فالإرهابي رجل أبيض، ولا تُلقى مسؤولية فعله على أي فئة من الناس وإنما يصبح المشتبه به فردا يمثل نفسه فقط. متى يُمثل فعل فردي واحد مجموعة كاملة من الناس، متى لا يلعب ذلك دوراً؟ في حالة كرايس تشيرش، لم يطالب أحد مجموعة معينة النأي بنفسها عن الفعل. وليس على الرجل الأبيض أن يقلق من اجراءات التدقيق الأمنية في المطارات.

قلق المسلمين في ألمانيا:

توصلت دراسة أمريكية إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية تنقل الاخبار بشكل متكرر وبكثرة، عندما يكون الجاني مسلماً، على الرغم من أن المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة الأمريكية هم الفئة الأكثر ارتكاباً للجرائم. ويتم ذكر الجناة، الذين يُعتبرون مسلمين بنسبة 449 في المائة أكثر من الجناة من غير المسلمين. هل الأمر مشابه في ألمانيا؟

حتى الآن لا توجد أية دراسة حول الوضع في ألمانيا. بعد مرور يومين على الهجوم الإرهابي لم يعد هناك عناوين حول الموضوع في بعض وسائل الإعلام الألمانية، ماعدا بعض المعلومات، التي يمكن أن تجدها في الجزء السفلي لأية صحيفة إلكترونية. أين هي البرامج الحوارية التي غالبا ما تناقش العمليات الإرهابية؟ يعيش في ألمانيا حوالي خمسة ملايين مسلم.

بعد الحادث زرت أحد المساجد يوم الجمعة الماضي لأسأل المسلمين عن الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا. وأخبرني الناس هناك بأنهم قلقين ويشعرون بعدم الأمان. تسجل الشرطة سنوياً المئات من جرائم الإسلاموفبيا. حتى أن أحد المساجد في مدينة دريسدن تعرض لهجوم تفجيري.

في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، ووفقًا للنتائج الأولية ، تم عد 578 جريمة بسبب الإسلاموفوبيا. وكان الجناة في معظم الحالات من اليمنيين المتطرفين

الإرهاب لا يعرف دين:

أو لون أخبرتني امرأة ترتدي الحجاب عن مخاوفها وقالت: "أخشى أن يحدث شيء من هذا القبيل في ألمانيا!". هذا التخوف، لا يقتصر عليها وحدها اليوم.

يجب ألا ننسى ما حدث في عام 2009 في قاعة محكمة في مدينة دريسدن، عندما تعرضت المصرية المسلمة، مروة الشربيني وقُتلت على يد متشدد يميني. المسجد، الذي قمت بزيارته، من المساجد التي تخضع لمراقبة هيئة حماية الدستور. وهنا يجد المرء نفسه في دائرة مفرغة. هناك من يردد بشكل متكرر أن المسلمين هم المخطئون، لأن دينهم يمثل الخطر والقمع ويتعارض مع قيم الديمقراطية. أنا أول من يقول أنه يجب على أي شخص أن يكون له حق انتقاد الإسلام، ولكن هؤلاء الضحايا المسلمين يستحقون تعاطفنا أيضاً. يجب أن نميز هنا. قُتل أناس في كرايس تشيرش أثناء تأديتهم للصلاة. كانوا بريئين. حرية الدين وحرية العبادة، حق إنساني يجب احترامه و حمايته. وهذا موجود في كل دستور غربي. على المرء أن يميز بين نقد الإسلام وكراهية الإسلام. بالنسبة لهؤلاء الضحايا المسلمين، هم لا يمثلون الإسلام المتطرف – تماماً كما لا يمثل الأوروبيون الأيديولوجية اليمينية المتطرفة للجاني المشتبه به. ما زلت أبحث عن توضيحات: هل ذلك لأن نيوزيلندا بعيدة عنا ولهذا لم نتعاطف مع الضحايا؟ هل سيكون الأمر مختلفًا لو حدث في ألمانيا أو أوروبا لأننا نشعر أننا ألمان وأوروبيون؟ لكن الناس أناس في كل مكان - بغض النظر عن الدين أو لون البشرة أو العرق! نعم، نخشى أن يرتكب المسلمون المتطرفون يوماً ما عملاً إرهابياً. لكن هنا نريد ويجب أن نًظهر تضامننا أيضاَ مع الضحايا. الإرهاب لا دين له

جعفر عبد الماجد، رئيس تحرير ومدير البرنامج الشبابي "شباب توك" على DW عربية.

إلى ذلك، ستخصّص قناة نسمة بالاشتـراك مع دوتشه فيله، حصّة تلفزية خاصة بعد غد الأحد 24 مارس 2019، على الساعة 18.30 للتطرق للتعاطي الإعلامي مع الهجوم الإرهابي الذي استهدف المسجدين في نيوزلندا.