في القمة العربية.. شوارع نظيفة، حلم المدينة المتجملة.. لو يستمر..

في القمة العربية.. شوارع نظيفة، حلم المدينة المتجملة.. لو يستمر..

على غيرالعادة كست الازهار الشوارع الرئيسية في العاصمة، مثل شارع الحبيب بورقيبة وشارع محمد الخامس والشوارع المحيطة قرب قصر المؤتمرات ومدينة الثقافة أين تنعقد اشغال القمة العربية في دورتها الثلانين. أزهار رتبت بعناية متناهية لم يعهدها المواطن، وانبهر بها الزائر والسائح ، ما شجع على التقاط العديد من الصور للذكرى في مدينة بدت مزهوة بجمالها بين ''جدارية انا اعشق تونس'' ونصب العلامة ابن خلدون، ليجتمع في المكان قبس المعرفة وسحر الالوان والزهور.


اما المواطن وكل من مر هذه الايام من هذا المكان وبين ثنايا هذه الشوارع وعطفاتها ، فانه ولاشك، سيسر بهذه "النظافة الطارئة" على حد تعبير احد المارة ، ليفتقد هذه "الزائرة السراب" التي ستنقشع وتتوارى بانتهاء القمة ، فيكون العود على البدء وتنتشر القمامة المتناثرة من جديد هنا وهناك ، وتختفي الالوان القزحية دون رجعة لتخلفها الاضواء الباهتة معظم الليالي .. فالقمة قد انتهت ومهمة النظافة ايضا.

الحلم بمدينة ينتهي عند عتباتها الجمال، حلم مفقود لدى المواطنين، راي اجمع عليه اغلبهم رغم مظهر النظافة والورود والازهار الناصعة والفاقعة والقانية والارجوانية... ومحيط اخضر يسر من رآه في مداخل العاصمة ومحيطها ، وانوار حمراء وخضراء وبيضاء مضيئة بالليل فتزيد المساء هالة ، ليحلو العيش ، وان جارت على المواطن حكومته واثقلت كاهل جيبه المنهك، فمدينة جميلة نظيفة من شانها ان تخفف وطاة اليومي والمعتاد الثقيل باعبائه ومشاكله.

ويتدخل احد المارة ليحمل مسؤولية نظافة الشوارع والمحيط والمحافظة على جمالية المدينة للمواطن والدولة على حد السواء ، قائلا ان النظافة ثقافة وسلوك حضاري وممارسة مواطنية مازال التونسي بعيدا عن تحقيقها وغير حاضرة في ذهنيته وفي التربية التي يتلقاها منذ نعومة اظافره.

واضاف ان التونسي غير واع بمواطنته، غير مكترث بجمالية مدينته ونظافتها، هي غائبة عنه للاسف، وهو ذلك المواطن الذي لا يتوانى عن رمي القمامة والاعتداء على محيطه، مؤكدا ان ترسانة التشريعات والقوانين وانعقاد القمم لا يمكنها ان تغير المجتمعات، فهي مطبوعة بمدى الوعي وتجذر السلوك الحضاري الذي يطبع سلوك مواطنيها.

القمة العربية ونبض الشارع..المواطنون بين متفائل ومتشائم ومتشائل/
تباينت اراء المواطنين الذين اعترضتهم موفدة /وات/ وتوجهت لهم بالخطاب، لتتنافر المواقف بين متفائل بانعقاد القمة العربية في تونس في سياق سياسي دقيق ، بما يكسب تونس مكانة سياسية فارقة ،ومتشائم لايرى من ورائها اي نفع لشعوب قد ملت "النفاق السياسي" ،ومن اتخذ منزلة بين المنزلتين ،و ان غابت الحلول السياسية ، فان الافاق الاقتصادية تظل مفتوحة

احدهم اصر بضرورة التعامل الناضج مع القمة التي ستجري اشغالها في تونس ، في ظل واقع عربي سياسي شائك وموسوم بالخلافات والاختلافات العلنية منها، والخفية ، قائلا انه على المواطن والطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني ان تستبصر العلاقة الحية بين مقومات الديبلوماسية والافاق الاقتصادية ،بما يدعو الى توظيف هذه المناسبة لصالح تونس واقتحام الافاق الاقتصادية وخلق فرص جديدة لاستجلاب الاستثمار ببلادنا حتى لا نرسب في النشاز والشعارات.

محمد، جامعي اكد ان العلاقات عربية- عربية حقيقة اجتماعية ووظيفية ولابد من كسب الرهان في القدرة على مراعاة مصلحة تونس ، بما يدفع بلادنا الى تحمل المسؤولية والتعامل مع الواقع العربي في شتى مناحيه، السياسية والاجتماعية ،وخاصة منها الاقتصادية لمواجهة متغيرات الحاضر والمصالح وتوازن القوى ،معلقا ان العالم اليوم اصبح قرية كونية ولابد ان تغازل تونس كل منفذ اقتصادي متاح
بينما اكدت زينب، استاذة تعليم ثانوي ان القضايا التي تثيرها الدوائر العربية الرسمية هي بعيدة كل البعد عن مطامح الشعوب وتطلعاتها وعن محاولات التالف والترميم الحقيقية في خضم تمزق تعيشه كل دول المنطقة ومواجهة سلبية للمستقبل العربي ، الى حد يستحيل معه ان تنحت القمم العربية الفارطة والحالية والقادمة وجودها السياسي والاقتصادي الناجع رفيقتها في جولتها بمتاجر تونس العاصمة، عزت ما اعتبرته اجتماعات "ديكورية" الى فراغ الهوية الذي تعيشه الدول العربية رغم وحدة الدين واللغة ، فاستنطاق التاريخ المعاصر في ظل المنعرجات السياسية الراهنة لن ترممه القمم العربية المتتالية، واصفة اياها بالقمم العقيمة واللقاءات الجوفاء" ، فما الشعوب العربية الا مجرد غبار من افراد في عين الدول العظمى التي تقود دفة العالم، على حد قولها ، مضيفة ان قصارى ما يمكن ان تقدمه القمم لوائح سيطويها النسيان.

عن اي قمة نتحدث؟ والشعوب العربية تواجه صدمة قرار ترامب بالحاق الجولان السوري بالكيان الصهيوني ؟ كلمات تحدث بها امين، باحث في الحضارات وهو منفعل ليواصل اننا لن نستطيع الحديث الا عن الفشل العربي واشغال قمة تجري زمن الخيانة العربية والنفاق السياسي العربي ، قائلا ان الارض تظل لنا في يوم فلسطين وغزة التي ترزح تحت القصف وجولان التي افتكها العدو الصهيوني غصبا، ومستحضرا في نخوة العروبة قول ناجي العلي: الطريق الى فلسطين ليست بعيدة ولا بالقريبة، انها مسافة ثورة.

اما حمدي،فهو اعلامي تونسي مقيم بالخارج ، لم يخف امتناعه عن تغطية اشغال القمة الحالية، في ظل الحاق الجولان بالكيان الصهيوني وسيطرة قانون القوة على شرعية القانون، معتبرا انه لا نفع من هذه القمم التي تقف صامتة امام قرار "اغتصاب الجولان " عوض الوقوف ضد سياسات امريكا المناصرة للكيان المحتل والمعادية لفلسطين وسوريا والعراق واليمن...

الاستعدادات الامنية.. تونس تؤمن ضيوفها ، تونس ترحب بضيوفها

تشكيلات امنية ووحدات للتدخل وعناصر للحماية المدنية وانتشار امني غير مسبوق اليوم الاحد بتونس عبر كل الشوارع والمنافذ المؤدية لوسط العاصمة وقصر المؤتمرات ومدينة الثقافة، حيث اقفر المكان من الحركة المرورية العادية ومن كل شيء الا الحواجز الحديدية التي ملات الفضاء ونصبت على امتداد شارع محمد الخامس وعلى الجانبين وفي كل المنافذ الفرعية المؤدية الى تونس العاصمة
واكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، سفيان زعق الاستعداد الامني والتقني والفني واللوجستي الكامل لتامين اشغال القمة ابتداء من وصول الوفود وتركيز الخيمات الامنية بالنزل لتامين اقامة الضيوف بتونس الى حين المغادرة

وافاد ايضا انه تم تركيز نقاط تفتيش ومراقبة مكثفة بكافة محاور الطرقات لتامين مقر القمة وتامين كافة مسالك عبور الوفود والتثبت من هويات كل المارين ،علما وانه تم منع وقوف جميع انواع اصناف العربات بشارع الحبيب بورقيبة وبشارع محمد الخامس
وكثر ممن ابدوا ارتياحهم لهذا الانتشار الامني المكثف في كل الزوايا والشوارع وفي محطات النقل وعربات المترو حتى ينعموا ولو لوقت قصير، بالتحرك في امان، بعيدا عن شبح الجريمة والسلب والسرقة التي تفاقمت في السنوات الاخيرة جراء الانفلات الامني الذي خيم على بلادنا

ومنهم من اعتبر إحكام تونس تنظيم القمة العربية واستضافتها للقادة العرب وتامين اقامتهم ،من شانه ان يجعل بلادنا محل ثقة من جانب كل الدول وفرصة سانحة لتثبت قدرتها على فرض الامن بعيدا عن شبح الارهاب، وتبرز استعدادها لاحتضان مثل هذه المحطات الهامة في لحظة فارقة في تاريخ تونس الراهن.

وكانت وزارة الداخلية قد اصدرت بلاغا مروريا في غضون هذا الاسبوع ضمنته جملة من الاجراءات المرورية الاستثنائية ابتداء من 29 مارس الى غاية غرة افريل المقبل بمنع جولان جميع اصناف الشاحنات والعربات الثقيلة والعربات المقلة للمواد الخطرة بكامل طريق الوطنية 9 الرابطة بين تونس والمرسى وطريق الزاد 4 وكامل الطريق السريعة والسياحية قمرت والطريق السريعة الشمالية (طريق تونس -حلق الوادي) في جزئه الممتد من قنطرة رادس الى غاية محطة تونس البحرية.

في القمة العربية.. وتضج تونس ايضا بعبق الثقافة وأَلق الفن

وتنتصر تونس دوما للحياة، فتونس البهجة لا تَفْتَأُ ان تنتفض من بين براثن الارهاب الذي عصف بصورتها عديد المرات وتثار لنفسها لتتجلى خلال القمة العربية وترمم المكسور ويتنفس الشارع فنا، وتظل في انظار ضيوفها من الاشقاء العرب فسيفساء نابضة بكل معنى جميل.

برنامج ثقافي للقمة العربية اثثته توليفة من العروض الفنية والطربية وبيت المالوف ومعارض للفنون التشكيلية والكتاب ونشاط المدينة، صاحبتها تظاهرات ايام قرطاج الشعرية وايام السينما العربية واحتفالات اليوم العالمي للمسرح،اضحت معها تونس فضاء متحركا جملته اقتراحات التراث والفن وكل ما هو تعبيرات جمالية وتشكيلية وغنائية حملت بين طياتها قدسية الوطن وحلم فلسطين الابية والعشق العربي للحرية.

فشارع الحبيب بورقيبة قد ارتدى هذه الايام حلة حمراء وبيضاء بين جنباته، فتراه شارعا قد ادمن الفرح بعيدا عن خلافات السياسيين العرب ،فيدعوك للتسامح وعشق العروبة والقدس المكلومة ويرتحل بك الى الفضاء الانساني الارحب، ليتيقن ضيوفنا ان تونس ستظل دوما عنوان الحضارة والمدنية والانفتاح وستظل دوما وجهة كل من يولي وجهه اليها وعالما ينطق ببهجة الفرح المعطر بالوان الفنون والالحان والاوتار.

فكانت الاطلالات الفنية على امتداد اشغال القمة قد عكست الوانا ابداعية زاوجت بين المعارض والنمط الفني الطربي والتقليدي والتوزيع الموسيقي العصري بالشارع الرمز للثورة وبمدينة الثقافة، ليختزل المجال الثقافي مخزون تونس الذي لا يندثر وموروثها الذي لا ينضب وايقاعات العصر وكل ما هو جديد اثثته فرق شبابية وفرق "موسيقى الشوارع".